رد: لك الله يا مصر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )(59) - النساء
من جوانب المفارقة مع ما يسمَّى بالسلفية الجهادية أو الحزبية أنهم لا يصبرون على جَوْر الأئمَّة وحيف الحكَّام، ولا يَدْعُون لهم بالصلاح والعافية، وإنما يطعنون فيهم بأنواع أساليب الطعن والقدح من السبِّ والشتم واللعن والتكفير والانتقاص والتشهير بعيوبهم والتشنيع عليهم على رؤوس المنابر وفي المحافل، وفي مختلف وسائل الإعلام، قَصْدَ تأليب العامَّة عليهم وتحريكِها نحو متاهات الفتن ودمار الخروج، فالسلفيةُ الجهادية المزعومة لا تلتزم بالجماعة وطاعة الإمام في المعروف، بل ترى القتالَ في الفتنة -التي تحدثه- واجبًا وتُذْكي نارَ الفتنة على أوسع نطاقٍ ممكنٍ.
وهذا مخالفٌ لِما عليه أهل السنَّة السلفيُّون من وجوب الصبر على جَوْر الحكَّام، وعدمِ التشهير بعيوبهم أو الطعن فيهم بالسبِّ واللعن وغيرهما عملاً بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي»(36)، وبقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ»(37)، وقول أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: «نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ وَلاَ تَغِشُّوهُمْ وَلاَ تَبْغَضُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ وَاصْبِرُوا؛ فَإِنَّ الأَمْرَ قَرِيبٌ»»(38)، وضمن هذا المعنى قال ابن تيمية -رحمه الله-: «مذهب أهل الحديث: تَرْكُ الخروج بالقتال على الملوك البغاة والصبرُ على ظلمهم إلى أن يستريح بَرٌّ أو يستراح من فاجرٍ»(39)، ونقل النووي -رحمه الله- مذهبَ جماهير أهل السنَّة من الفقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين في شأن الإمام الحاكم حيث قال: «لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يُخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظُه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك»(40)، بل إنَّ أهل السنَّة السلفيين يستحبُّون الدعاءَ للسلطان بالصلاح والعافية، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: «لو كان لنا دعوةٌ مستجابةٌ لدَعَوْنا بها للسلطان»(41)، قال الآجرِّي -رحمه الله-: قد ذكرتُ من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغٌ لمن عصمه الله تعالى عن مذهب الخوارج ولم يَرَ رأيَهم، وصبر على جَوْر الأئمَّة وحَيْف الأمراء ولم يخرجْ عليهم بسيفه، وسأل اللهَ تعالى كشْفَ الظلم عنه وعن المسلمين، ودعا للوُلاة بالصلاح وحجَّ معهم، وجاهد معهم كلَّ عدُوٍّ للمسلمين، وصلَّى معهم الجُمُعةَ والعيدين، فإنْ أمروه بطاعةٍ فأمكنه أطاعهم، وإن لم يُمكنْه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصيةٍ لم يُطِعْهم، وإذا دارت الفِتَنُ بينهم لزم بيتَه وكفَّ لسانَه ويدَه، ولم يَهْوَ ما هم فيه، ولم يُعِنْ على فتنةٍ، فمَنْ كان هذا وصْفَه كان على الصراط المستقيم إن شاء الله»(42).
أمَّا موقف أهل السنَّة السلفيِّين من الفتنة فهو وجوب تركِ القتال فيها عملاً بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ»(43)، ولنهيه صلَّى الله عليه وسلَّم عن القتال في الفتنة بقوله: «كُونُوا أَحْلاَسَ بُيُوتِكُمْ»(44)، ويدلُّ عليه -أيضًا- حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما حين قال له صلَّى الله عليه وسلَّم: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، قُلْتُ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ ؟» قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»(45).
قال ابن تيمية -رحمه الله- مبيِّنًا مذهبَ أهل السنَّة في ذلك: «نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن القتال في الفتنة وكان ذلك من أصول السنَّة، وهذا مذهب أهل السنَّة والحديث وأئمَّة أهل المدينة من فقهائهم وغيرهم»(46).
http://ferkous.com/site/rep/M83.php
__________________
Hicham.Nahal@yahoo.com
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ
|