بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
و أخيرا جاء الرد ...
أنا ـ شخصيا ـ أتفهم قرار الأخ { ورقة } ... ما دام شغله الشاغل و ما يستهويه هو الجبال و القرى و الحدائق ... فلا يليق بمثله الإبتعاد على موطن النبات و دراسته مباشرة و التحدث مع الفلاحين و المزارعين و الرعاة كبارهم و صغارهم لجمع و التعرف على أكثر ما يمكن من معلومات عن أشخاص النباتات و استعمالاتها المعروفة عنها و لها .
فهذا هو ما يستهوي الأخ { ورقة } و نعم الهواية ... و لا يستهويه الجلوس إلى الحاسوب إلا لفائدة ... و نعم الحكمة .
و تعرضت شخصيا لنفس الإمتحان ، أحد أيام سنة 1973 ، حينما كنت مكلفا بتدريب مجموعة من أبناء نحالي الساحل المغربي ما بين مدينتي الجديدة و الوالدية عند النحال البلجيكي بسيدي يحيى الغرب ناحية مدينة القنيطرة . و قد استهوتني تربية النحل بشكل كبير جدا ، و لا يستهويني غيرها .
وصلني خبر من أحد زملائي في العمل بأن الإدارة قد قررت تعييني مديرا لمركز فلاحي تمتد منطقة تدخله في التنمية و الإرشاد الفلاحي و السهر على تطبيق السياسة الزراعية بالإقليم ،على الساحل الأطلسي ما بين مدينتي الجديدة و الوالدية ـ من أجمل المدن الشاطئية السياحية ـ و فيه أغني المناطق المختصة بزراعة البواكر تحت الخيام البلاستيكية ، و فيه محطات التلفيف ، بل و حتى تربية " المحار " و صيد السمك ، و استخراج ا
" الطحالب[1] Les algues من أعماق البحر و جمع الملح منجنباته ، و تخصص الكثير من سكان المنطقة في تربية الماشية ، وبها غابات كثيرة و غطاؤها النباتي جد متنوع .. كما أن فلاحيها يعتبرون من أغنى فلاحي الإقليم .
و سبب القرار هو رغبة الإدارة الفلاحية في إنشاء أول " منحل نمودجي " Rucher pilote و أول تعاونية تربية النحل Cooperative apicole بإقليم الجديدة . و كنت عند النحال البلجيكي أشرف كذلك على تحضير أولى الخلايا المخصصة للمنحل النمودجي المذكور .
و بدل أن أفرح بهذه الترقية التي يسيل لها لعاب زملائي للحصول عليها بأي ثمن أو تضحية ، لما لها من امتيازات مادية و معنوية ، شعرت عند سماعي بترقيتي التي ستبعدني عن تربية النحل بانقباض في نفسي و قلق أفقدني حماسي و نشاطي المعهود و لمدة ثلاثة أيام متتالية تغيبت فيها و على غير عادتي عن حضور التداريب اليومية و بقيت في إقامتي بضيعة النحال بول هاكور على بعد أمتار من منزله .
لا حظتْ زوجة بول هاكور البلجيكية حالي في اليوم الثالث فجاءت لتطمئن عن صحتي و تسأل عن حالي ... و كنت قبل هذا لا أتردد من طرق باب بيتها لأطلب منها إعارتي لبعض الآلات الخاصة بالطبخ لتحضير طعامي ... و كانت تعيرني أدوات مطبخها بابتسام و مرح و فرح بل و تمدني أحيانا ببعض النصائح الخاصة بتحضير بعض الوجبات بعد أن تسألني عما أنوي تحضيره من وصفة.
أخبرْتُ السيدة الوقورة النبيلة عن سبب قلقي و بُحْتُ لها برغبتي في البقاء بجوارها حتى أكمل تدريبي في تربية النحل و أتعرف على جميع العمليات السنوية و حسب كل فصل فصل ...
طمأنتني السيدة الطيبة و أخبرتني بأن لزوجها معرفة شخصية بوزير الفلاحة نفسه ـ و كنت أعرف ذلك ـ و بأنها ستطلب منه أن يفعل كل ما في وسعه حتى لا يطبَّـق علي ذلكم القرار الذي و لاشك كان غيري سيطير يطير إليه فرحا ، و دون أدنى تردد أو تفكير.
و في الصباح ، جاءني النحال بول هاكور " بقده و قامته " يطلب السماح بالدخول ليتكلم معي ، و أنا الضيف في جواره . أخبرني بما بلغه من زوجته عن حالي ، و سالني إن كان عندي طلب خاص .
طلبت منه رسالة للسيد مدير المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي بالإقليم يطلب منه فيها السماح ببقائي في التدريب حتى نهاية السنة لأتمكن من الحضور و الإستفادة من جميع العمليات النحلية السنوية .
و بعد ساعات كانت الرسالة في حوزتي .
استُدْعيْتُ آخر الأسبوع من طرف رئيس مصلحة الإنتاج الفلاحي بمدينة الجديدة، و هو الرئيس المباشر لمديري المراكز الفلاحية بالإقليم و عددها حوالي خمسة عشر مركزا وقتها...
بدأ الرئيس كلاما جميلا يهنؤني فيه بتقدير الإدارة لجديتي و كفاءتي وقرارها بتشريفي و تكليفي ... و أكثر في مثل هذا الكلام طويلا ... و لم يفته تذكيري بأن العشرات من الزملاء يتمنون مثل هذا التكليف المشرف الخ ... الخ ... الخ ...
و في لحظة من اللحظات توقف فجأة عن الكلام و قال لي ، يظهر لي أنني فرح بترقيتك أكثر من فرحك بها ... فما هو قولك؟
و بعد شكر الإدارة و اعترافي بجميلها و تقديري تشريفها لي بهذا التكليف ، سالته بكل عفوية :
" هل هذا التكليف إجباري ، أم أن لي حق الإختيار " ؟
استغرب الرئيس لسؤالي هذا و بدا لي و كأنه لا يصدق أذنيه فقال لي :
و لماذا هذا السؤال ؟
أجبته : إن كان لي حق الإختيار فأنا أفضل العودة للتدريب حتى إتمام جميع مراحله . و إلا فسأكون مجبرا على القيام بعمل لأني موظف و ليس من حقي أن أرفض عملا تكلفني به إدارتي . و أخبرك سيدي الرئيس أن بحوزتي رسالة من السيد بول هاكور للسيد المدير للمكتب الجهوي يطلب منه فيها رجوعي لإتمام التدريب .
قال لي السيد الرئيس :
و لماذا تفضل الرجوع للتدريب على ترقيتك لدرجة مدير مركز فلاحي ، ألأسباب عائلية أم ماذا ؟ أريد أن أعرف !
عندها قلت له : السبب الوحيد سيدي هو أنني أحب النحل و أفضله على الترقية .
عندها وقف السيد الرئيس و مد يده ليصافحني و قال :
و لا يسعني إلا أن أحترم رغبتك و أقدر فيك هذا الحب . و يمكنك الرجوع لتداريبك الساعة ، مع متمنياتي لك بالتوفيق ...
رجعت لتدريبي و بقيت فيه مدة ستة شهور أو يزيد ... و رجعت لإقليمي لأجِـدَ تعييني مديرا للمركز ما يزال ينتظرني ... و بعد عامين كمدير لنفس المركز الفلاحي تشرفت فيها بالإشراف على افتتاح المنحل النمودجي و إدارته ، و الإسهام في إنشاء و تأطير أول تعاونية تربية النحل ... جاءت ترقيتي رئيسا لمقاطعة لمصلحة العتاد الفلاحي في دائرتها الترابية أربعة مراكز فلاحية ...
و عندها انتقلت تربية النحل من المهمة الإدارية إلى الهواية الشخصية و إلى يومنا هذا...
و لله الحمد و له الشكر على توفيقه ... و له الأمر من قبل و من بعد .
و في انتظار تطوع أحد الأعضاء و قبوله للإشراف على القسم الجديد المقترح ، مرحبا بالأستاذ الباحث { ورقة } في ملف { مصطلحات نباتية } ... و على بركة الله .
ــــ
[1] : ما رأي الأستاذ ورقة في هذه الترجمة. و بماذا يترجم المصطلحين :
Mousses = Mosses و Lichen.
و لتكن الإجابة في ملف المصطلحات إن شاء الله .