استثمار ناجح
يعطي النحل ـ حسب رئيس لجنة النحّالين في غرفة زراعة دمشق محمد سعيد العطار ـ مليار ليرة سورية، بالإضافة إلى إنتاج الخلية من الغذاء الملكي والشمع التي تقدر بـ 10 ملايين ليرة، يقول: إن مقدار العائد الاقتصادي من المنتجات الزراعية يتجاوز 20 مليار ليرة سورية، وبعض السنوات تكون بين 20ـ 28 مليار ليرة نتيجة زيادة المحاصيل الزراعية، والشيء الأهم مساهمة النحل في المحافظة على التنوّع البيئي وبقاء النباتات البرية. ويضيف: إن استثمار النحل مشروع ناجح إذا توفرت الإمكانات والخبرات، فالتكلفة المادية تبدأ من 15 ألف ليرة إذا كان النحّال هاوياً، وتصل إلى مليون ليرة بسبب ارتفاع أسعار مستلزمات تربية النحل، غير أن استهلاك المواطن السوري للعسل ـ برأي العطار ـ لا يتعدى " 200" غرام سنوياً ويعدّه رقماً سيّئاً.
استعان العطار بخبراء فرنسيين في إقامة دورات تدريبية للمربّين، وفي 2007 زار خبير فرنسي مناحل العسل وأكد وجود نقص حبوب اللقاح نتيجة الجفاف، ما ساعد على تفشّي الأمراض. وبالمقابل ينتظر العطار حلاً لمشكلة" الفروة"، وهو متطفّل من العناكب يمتص البروتين والمناعة لذلك تصعب مقاومة النحل للأمراض، هذا الأمر بحاجة لدراسة عالمية، فبين أعوام 1985ـ 1986 نفق أكثر من 90% من النحل السوري بسبب الفروة. من جانب آخر يجد العطار بأننا نفتقر إلى جهة تسويقية لتصريف المنتج السوري، وهذا الدور يتطلب من وزارة الزراعة فتح منافذ للبيع والتصدير والمشاركة في المعارض.
يقدّر العطار عدد النحّالين ـ حسب الإحصاءات الأخيرة ـ بنحو 20 ألف نحّال، ويعمل في تربية النحل الآلاف من العائلات، منهم الهواة ـ حسب الطريقة الألمانية ـ التي تسعى لزيادة وتحسين الظروف المادية كعمل إضافي، بينما يوجد في ألمانيا 90 ألف نحّال 5آلاف منهم يعتبرون مهنة النحل مهنة أساسية لهم.
سلالة نادرة
أعطى اتحاد الفلاحين تربية النحل أهمية كبيرة من منظورين، الأول دور النحل في زيادة الإنتاج، والثاني أن تربية النحل نشاط اقتصادي غير مكلف وذو دخل جيد. ومن هذا المنطلق يقول رئيس تحرير جريدة "نضال الفلاحين" إسماعيل عيسى: إن اتحاد الفلاحين أسس جمعيات للنحل في كل محافظة حسب نشاط كل مدينة، وهو بصدد إنجاز مشروع اتحاد عام للنحّالين على مستوى الجمهورية، يسهم في تأمين مستلزمات النحّال والتسويق والإنتاج والمشاركة في المعارض الدولية، إضافة إلى أن الاتحاد قدّم معونات مالية لجمعية النحّالين لشراء جهاز لفرز العسل واختباره.
يقول عيسى: إن هناك فائضاً من إنتاج العسل المحلي لضعف القدرة الشرائية وغياب التسويق والدعاية الجيدة سواء في الدخل أم الخارج.
غير أن أهم مشكلة في نظر عيسى هي تدهور السلالة السورية للنحل لدخول سلالات أجنبية شرسة تقتلها، مع العلم أنها نادرة في العالم وغير موجودة إلا في الجولان، ويتميز النحل بأنه وديع وغير مؤذٍ ويعطي إنتاجاً كبيراً.
أما عن دور الإعلام، فيقول عيسى: لا بدّ من تحفيز الفلاحين والمربين على تربية حديثة للنحل، ذلك أنه ذات منفعة اقتصادية تشجّع الناس على أكل العسل، ولكن المشكلة تكمن دائماً في التسويق فليس لدينا مراكز العرض لبيع منتجات العسل.
شركة قاروط
يؤكد مدير عام شركة "قاروط" لإنتاج وتوزيع العسل إبراهيم قاروط، أن تربية النحل أصبحت مورداً رئيسياً للإنسان لسببين، أولاً أن رأس المال في متناول اليد ويمكن التوسّع بسرعة، وثانياً أن المردود الذي يعطى في السنة الأولى يعادل ضعف التكلفة الرئيسية إذا توفرت إدارة جيدة.
يعد قاروط ( قرية الحلاقين، منطقة المصياف) أول شخص يربي النحل، ما شجّع 90 % من الأهالي على تربية النحل التي تؤمّن معيشتهم، يقول: علينا تشجيع الشباب وخاصة في الأرياف على تربية النحل، علماً أن عسلنا يُعدّ أفخم أنواع العسل في العالم بسبب تنوّع الزهور.
تأسست شركة قاروط في عام 1979 لإنتاج وتوزيع العسل من ( الشوكيات، القطن،الحمضيات، اليانسون،حبة البركة) وكانت تنتج في بداية عملها نحو 300 كيلو غرام، أما الآن فتصل إلى ثلاثة أطنان سنوياً، وتعتمد الشركة على كفاءات محلية إذ تعمل فيها 14 عائلة. يجد قاروط أن إنتاج العسل هو استثمار ناجح ومنتج فوري، بشرط تأمين تربية جيدة للنحل وخفض الضرائب وتقديم التسهيلات وتأمين المواد اللازمة للتغليف وأدوية النحل والتعبئة والتسويق.
علماً أنه لا يزال استهلاك العسل السوري منخفضاً، فنحو 20% من الناس يستهلكون عسل الأرصفة بسبب رخصه، وبالتالي الكلفة الكبيرة للعسل السوري تجعله غالي الثمن عالمياً، لذا يصعب تسويقه.
يعتقد قاروط أن تربية النحل مهددة بالانقراض خلال 20 سنة القادمة بسبب الظروف المناخية، لذا يجب تعاون وزارة الزراعة مع جمعيات النحل لإيجاد غابات عسلية من( الكستنا، الزيزفزن، أكاسيا ) محمية لا تدخلها الأغنام، لأن بذور القطن في سورية غير منتجة للعسل، وكذلك غابات الكستنا وأشجار الزيزفون أيضاً غير أصلية ولا تنتج العسل. ويجد من خلال خبرته أن إنتاج الخلية تراجع من 30 كيلو إلى 5 كيلوات بسبب الجفاف وهجوم الأغنام على مراعي النحل والانتشار الواسع للمبيدات الضارة والأمراض.
إن منع استيراد العسل كان بدافع حماية المنتج المحلي، إلا أنه في نظر قاروط لم يجلب المنفعة بسبب سماح الاستيراد من الدول العربية، موضّحاً بأن العسل السعودي يدخل الأسواق السورية على أنه منتج سعودي ويباع بأسعار رخيصة، لكنه في الحقيقة عسل أجنبي غير مطابق للمواصفات السورية ولا يُفحص.
نبع الخيرات
بدأ صاحب محل نبع الخيرات لمستلزمات ومنتجات النحل بسام الرفاعي عمله في بيع منتجات النحل منذ ثلاث سنوات كهاوٍ، وتطوّر إلى حد الاحتراف، يقول: إن تربية النحل عمل راقٍ وكأنك تتعامل مع عالم آخر، يجب مواكبة الاكتشافات الجديدة في مجال النحل، ويضيف:حتى لسعة النحل مفيدة، إلا أنه يرى أن العناية بتربية النحل انخفضت في السنوات الأخيرة بسبب تدني الجدوى الاقتصادية وارتفاع التكاليف وتعرّض النحّالين لأمراض مع الزمن مثل الديسك.
تتضمن منتجات نبع الخيرات " العسل، غبار الطلع، الشامبو، الصابون والكريمات". إضافة إلى الغذاء الملكي الذي يباع غرامه بـ 100 ل. س لاحتوائه قيمة غذائية عالية، والعكبر كمضاد حيوي وطبيعي. ورغم أن دخل المواطن السوري لا يساعده على شراء العسل باستثناء الميسورين، غير أنه يوجد إقبال ـ كما يوضّحه لنا الرفاعي ـ على شراء منتجات العسل.
يعمل معظم النحّالين في مهن أخرى، والسبب في نظر الرفاعي يعود إلى أن إنتاج العسل أصبح عرضة للظروف المناخية، إذ أصابت النحل في السنة الماضية نكسة بسبب موجة البرد منعته من الخروج وأدّت إلى نفوق ما بين 50% إلى 80%، رغم ذلك يوجد اتجاه نحو التربية المنزلية للنحل.
هاوي النحل
تخرّج ياسر الخجا من كلية الاقتصاد إلا أنه أحبّ مهنة النحل، فدرس الكتب المتعلقة بالنحل وحصل على معلومات كافية لتربيته، ليبدأ مشروعه بـ 10 خلايا ويملك الآن 40 خلية، فكانت الخلية تعطي 25 كيلو وخاصة بين أعوام 1993ـ 2003، لكنها في الوقت الحالي لا تنتج سوى 5 كيلوات وحسب كميات الأمطار، ويضيف: لا يوجد محترفون في تربية النحل وإنما نعمل كأفراد وليس كشركات، ورغم ذلك إنه استثمار رابح ولكنه متعب بدليل أنا أبيع الكيلو بـ 800 ـ 1000 ل.س.
استخلاص الأدوية
صاحب محل "مناحل الشام الحديثة" محمد زياد دباس بدأ مهنة تربية النحل في الثمانينات، حيث كان يملك أكثر من 100 خلية وكل واحدة منها تعطي بين 10ـ 15 كيلو، بعد أن تعرّض دباس لأزمة صحية باع جزءاً منه وبقي لديه 50 خلية، يرى أن الناس استغنت عن تربية النحل بسبب سوء الأحوال الجوية والجفاف ورشّ المبيدات التي سبّبت تراجعاً كبيراً في إنتاجية النحل.
استفاد دباس من خبرته كمهندس زراعي، فاستخلص مواد طبيعية من منتجات النحل كالزيوت والأدوية والمواد التجميلية، وكذلك إنتاج سكاكر العسل الذي يُعتبر مضاداً للتدخين من بعض النباتات البرية والأعشاب الطبية وهي مرخّصة من قبل وزارة الصحة.
الاقتصادي